الصدقة في التنمية البشرية
وكل هذه الطرق تتعامل مع نظرة الانسان نحو هذه الازمات فتقلل من شدة وقعها عليه و تمحي تؤثره بها
وهذا أمر اكثر من رائع فمتى ما احس الانسان بأنه اقوى مما يواجهه انزاح عن كاهله ما كان يثقله ويقض مضجعه
ولكن .. ماذا لو كانت تنتظر الانسان من الصعوبات والابتلاءات ما لا يعلمه ولا يشغل خاطره ..؟!
و ماذا لو كانت همومه اكبر من ان نستطيع اقناعه بجلسة علاج تخفف عنه حدّتها .. ؟!
وايضا ماذا لو كانت مشاكله بالفعل كثيرة وخطيرة ولا مجال لمحاولة تغيير النظرة نحوها ..؟!
وقتها لن تجدي تقنياتنا ولن تفلح طرقنا ..
فنحن لا ندعي علاج كل أمر ولا القدرة على فعل كل شيء
فما العمل إذن ؟!
هل سينتهي الأمر هنا ؟
هل ندعه ونقف عاجزين عن اسداء نصح او مد يدٍ ؟
بالتأكيد ... لا .
فماذا سنفعل ؟
لن نفعل اكثر من التذكير بمنهج رباني منقطع النظير في التعامل مع فادح البلوى وخطير الشكوى عندما يعاني منهما أي انسان ..
فهذا المنهج الرباني كله رحمة وهداية الى كل خير قويم تستقيم به حياة الانسان ويصلح باله وهذا الخير هو للمؤمنين بهذا المنهج دون غيرهم "والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم واصلح بالهم " سورة محمد
وجعل سبحانه تكفير السيئات قبل اصلاح البال لأن السيئات سبب الابتلاءات والامتحانات التي يتبلبل بها البال " وما اصابك من سيئة فمن نفسك "
واشترط لتكفير السيئات واصلاح البال شرط الايمان فمن الايمان ننطلق فنعبّ من معين هذا المنهج اكثر فأكثر
ولكن الايمان لابد له من برهان حتى يثبت ويرسخ في النفس أولا ولأنه " لا تثبت الدعاوي بالاقوال حتى تقوم يإثباتها البيّنة من الافعال والاعمال " كما يقول الامام الحداد ، ثانيا
فما تلك البينة وما ذاك البرهان ؟
يقول الحديث الشريف : " الصدقه برهان" اي برهان وبينة على اثبات الايمان
ثم نجد طائفة كبيرة من النصوص الشريفة في عظم فضلها وعظيم اثرها في محو الابتلاءات والمحن التي وقعت و التي نقف عاجزين عن فعل شيء لها ، بل وحتى التي تقع ولم نعرف بها بعد ول صلى الله عليه وسلم " داووا مرضاكم بالصدقة "
ويقول ايضا : " إن الصدقه لتطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء "
فالصدقة تدفع البلاء ، وهي أنجح دواء بها يُستنزل الرزق
ويقول فيها ايضا صلى الله عليه وآله وسلم : " لا تحقرن من المعروف شيئا ولو ان تلق اخاك بوجهٍ طلق وتصدق كل يوم بشيء وان قلّ ،واجعله من أول النهار فإن البلاء لا يتخطى الصدقه" .
فانظر الى بديع هديه صلى الله عليه وسلم كيف يكلم المؤمن ذي الحزن المبتلى وكيف يدله على امرين :
اولهما ألاّ يحقر من المعروف شيئا .. وهو بذلك صلى الله عليه وسلم يشغل هذا الحزين عن التركيز في مشكلته ويدعوه الى معنى اعلى واسمى وهو معنى بذل المعروف و هذا أمر بأسلوب غير مباشر فلا يقول له مباشرة : ابذل المعروف .. بل لا تحقرن من المعروف شيء فيستثير في نفسه حمية هذه الحمية ضد محتقري المعروف من الناس فيشتد عزمه حينها على ألاّ يحقر أي معروف فتصبح نفسيته وقد كانت منغلقة على كربه ومتقوقعة على بلوائه تصبح جاهزة لتقبل الأمر الكريم اللطيف " ولو ان تلق اخاك بوجهٍ طلق " هذا الأمر الذي لم ولن يكن لتتقبله نفسيته المتعبة واحاسيسه المرهقة باسلوب مباشر
ثم تتابع الاوامر فقد غدا قلبه اكثر انشراحا وتقبلا لقبول وابل الاوامر الحاضّة على بذل المعروف فقد اتخذ قرارا قبل قليل بألاّ يحقر منه شيئا " وتصدق كل يوم بشيْ وان قلّ ، واجعله من أول النهار"
حتى اذا استطعم مذاق مساعدة الآخرين وتسامى عن الاحساس بمشكلته فقط وشعر بالآخرين بل وساعدهم وان كانت هذه المساعدة لم تحدث على الواقع بعد فقد عقد العزم عليها ورآها في خياله ، حتى اذا رأى واستشعر كل ذلك أتته البشارة بالفرج والفرح في قوله صلى الله عليه وسلم " فان البلاء لايتخطى الصدقه " وكأنه جزاء احساسك بالآخرين واكرامك وعطاءك لهم جازاك رب العالمين من جنس عملك فلست بأكرم منه سبحانه حاشا جميل صفاته وحسنى اسمائه
ولعل من خير ما نستدل به على ما نقول قصة تتحدث عن هذا المعنى
قيل ان امرأة غاب لها ابن غيبة انقطعت فيها عنها اخباره وكانت ذات صدقة ودعاء حار بأن يرده الله اليها
فبينما كانت في بيتها يوما جلست لتأكل وما ان وضعت أول لقمة في فمها حتى وقف ببابها مسكين يطلب الصدقة ، فامتنعت عن اللقمة واعطته طعامها كله وبقيت يومها جائعة .
ثم ما ان مضت ايام حتى قدم ابنها فاخبرها بشدائد عظيمة مرت به .
وقال : اعظم شيء مر بي ، اني كنت في وقت كذا اسلك غابة إذ خرج اسد فقبض عليّ من فوق حمار كنت اركبه ، فجرى الحمار هاربا وتشبكت مخالب الاسد في ملابسي ولم تصل اليّ ثم جرني فادخلني الغابة فذهب عقلي من شدة الفزع .. ثم ما هو الا أن برك عليّ ليفترسني حتى رأيت رجلا عظيم الخلق ( أي عملاقا ضخما ) ابيض الوجه والثياب فجاء حتى قبض على قفا الأسد وشاله وخبط به الارض
وقال : قم ياكلب ، قلمة بلقمة ، فقام السبع مهرولا وثاب اليّ عقلي ، وطلبت الرجل لأشكره فلم اجده .. وجلست ساعات الى ان عادت اليّ قوتي ثم نظرت الى نفسي فلم أجد بها بأسا فمشيت فلحقت القافلة ، واخبرتهم فتعجبوا من خلاصي .. ولم أدرِ ما اللقمة بلقمة !
فنظرت المرأة الى الوقت فإذا هو الوقت الذي اخرجت اللقمة من فمها فتصدقت بها فاخبرته الخبر فتعجب ..
فسبحان جازي الاحسان باحسان خيرٍ منه وأمنَّ واعظم
ويا من انغلقت على نفسك رافضا فتح ابواب امل لها قد زفت اليك بشائر الفرج فاقبلها
و يامن عقدت العزم على ألا تطرق باب استشفاء يأسا وقنوطا ابشر فقد جاءك بشرها
ويا من تبيت خاليا من دواهي الزمان وخطوبه انت لا تدري ما يُحاك لك بين طياته
وانا لا أخوّفك بل انبّهك ان
الفرج في الصدقه ..والشفاء في الصدقه.. وان البلاء لا يتخطى الصدقه....
ويا أمة الاسلام قوموا فقد آن أوان الصدقه وأقبلت مواسمها ..
وهلموا نبتهل وندعو بالقبول فهو سبحانه انما يتقبل من المتقين ..
فاللهم اقبلنا وارفع عن أمتنا ما بها
اللهم آمين
0 التعليقات:
إرسال تعليق